اقتصاد

داج ديتر يكتب للشروق: ذروة رأسمالية الدولة.. ماذا بعد؟

إدارة المحافظ الاستثمارية باحترافية تتطلب الاستقلال عن التأثير السياسى صندوق الثروة العامة شركة عامة مملوكة لدافعى الضرائب

تعتبر حدود رأسمالية الدولة مسألة واضحة فى مختلف أنحاء العالم، من الصين وباكستان، ومصر ونيجيريا إلى أوكرانيا.

فعلى الصعيد العالمى تبلغ أصول الشركات المملوكة للدول ما يعادل نصف الناتج المحلى الإجمالى العالمى، فى حين تبلغ قيمة العقارات المملوكة للحكومات ضعف هذا الرقم.

إنتاجية الشركات الحكومية أقل بنسبة الثلث عن الشركات الخاصة

وقد أظهرت الأبحاث، على مدى عقود بما فى ذلك أبحاث صندوق النقد الدولى، أن إنتاجية الشركات المملوكة للحكومات تكون فى المتوسط أقل بنسبة الثلث عن الشركات الخاصة، الأمر الذى يعيق إصلاح القطاع المالى والتخصيص الفعال لرأس المال، ويؤدى إلى تقييد التنمية الاقتصادية والنمو.

ورغم أن هناك حاجة للمزيد من المساحة للقطاع الخاص والمزيد من المنافسة والنمو الاقتصادى، فإن إطلاق حملة خصخصة بالجملة كما حدث فى الثمانينيات والتسعينيات ليس أمرًا مرغوبًا فيه سياسيًا، ولا فعالًا من الناحية المالية، لأنه يؤدى عادةً إلى نقل غير مُبرر للثروة العامة إلى القطاع الخاص.

لذلك سيكون من الأهمية بمكان الآن ضمان تعظيم الثروة العامة لصالح المجتمع ككل، والمساعدة فى تمويل الاستثمارات اللازمة لتحسين البنية التحتية، والمناخ، واحتياجات كبار السن.

إن تبنى القواعد أو الأهداف المالية التى تعتمد على المحاسبة وصافى القيمة المالية للحكومة بشكل عام، بالتوازى مع الإدارة المهنية للأصول العامة، يخلق فرصًا كبيرة لتحسين الموارد المالية العامة لأى بلد على المدى الطويل، ويعالج فى الوقت نفسه المشاكل على المدى القصير.

الحكومات التى تتمتع بصافى ثروات أكبر تتعافى من الركود بشكل أسرع

وتوضح أبحاث صندوق النقد الدولى أن الحكومات التى تتمتع بصافى ثروات أكبر (الأصول مطروح منها الالتزامات) تتعافى بشكل أسرع من الركود وتكون تكاليف اقتراضها أقل.

كما أن استقدام إدارة مهنية لمحفظة الأصول العامة المجمعة داخل شركة قابضة أو صندوق الثروة العامة، يؤدى إلى تعظيم قيمة المحفظة وأرباحها، وبالتالى تحسين الحيز المالى المتاح للحكومة والاستدامة المالية.

متطلبات إنشاء صندوق الثروة العامة

ويتطلب إنشاء صندوق الثروة العامة 4 مسارات عمل متوازية (تجارية وقانونية ومحاسبية ومالية) ينسقها مكتب أو فريق إدارة المشروع الذى سيساعد فى تحديد الجهات المعنية (المدرجة فى محفظة الصندوق) وإداراتها تحت قيادة لجنة توجيهية أو مجلس غير تنفيذى مستقل.

وفى العادة يحظى مسار العمل التجارى بدعم شركة استشارات إدارية تضع افتراضات حول الاستخدام الأمثل للأصول، وتعطى الأولوية للقطاعات والأصول التى تتمتع بأفضل الإمكانات لإدارتها بنجاح، فضلًا عن تصميم استراتيجية وخطة عمل لكل قطاع والأصول الأساسية، والتى ينتج عنها استراتيجية شاملة للمحفظة، بما فى ذلك تسلسل وتوقيت الاستثمارات المحتملة والعمليات المطلوبة لتصفية الاستثمارات.

أما شركة المحاماة، فستدعم مسار العمل القانونى وتبذل العناية الواجبة فى هذا الشأن، بما فى ذلك مراجعة الأصول والموافقات والقيود والمتطلبات القانونية. وستقوم أيضًا بتقديم المشورة بشأن الهيكل القانونى للمجموعة وإدارتها كشركة قابضة فى القطاع الخاص.

وبمساعدة شركة محاسبة دولية، يكون مسار العمل المحاسبى مسئولًا عن إضفاء الطابع الرسمى على تقييمات الأصول وإنتاج مجموعة أولية من البيانات المالية باستخدام المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية.

كما يتضمن مسار العمل المالى، الحصول على مشورة بشأن التصنيف من قبل بنك استثمار دولى ومتخصصى التصنيف التابعين له، الذين يساعدون فى تصميم جميع مسارات العمل المذكورة أعلاه للحصول على أفضل تصنيف ممكن للسندات لتحقيق أقل تكلفة ممكنة لخدمة الدين.
وسيقوم المستشار المالى أيضًا بتقديم المشورة بشأن التسلسل والتوقيت الأمثل للاكتتابات العامة الأولية والعمليات المحتملة لتصفية الاستثمارات لتبسيط المحفظة وجميع الأعمال التجارية.

إن هذه الجهود جميعها لن تؤدى فقط إلى تعزيز تنمية القطاع الخاص، بل ستساعد أيضًا فى تعميق أسواق رأس المال.

إدارة احترافية لمحافظ الاستثمار

ويتطلب إضفاء الطابع الاحترافى على إدارة المحافظ الاستثمارية، الاستقلال عن التأثير السياسى على المدى قصير الأجل، بما فى ذلك القدرة على توظيف مديرين ومستشارين محترفين وفقًا لأسعار السوق.

وعلى الرغم من أن صندوق الثروة العامة لا ينبغى أن يضطلع بدور ريادى فى السوق بشأن الرواتب والامتيازات الممنوحة للخبراء، إلا أنه سيحتاج إلى استقلال سياسى ومالى كافٍ لجذب المواهب المناسبة وتوظيف المستشارين المحترفين.

وعلى غرار صناديق الأسهم الخاصة والبنية التحتية، سيتم تنظيم فريق إدارة المحفظة فى فرق قطاعية، بهدف تحويل المحفظة نحو مستوى مماثل من الإنتاجية والربحية لنظيراتها فى كل قطاع بالقطاع الخاص، على أن يتم تنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة لكل شركة بالمحفظة من قبل الرئيس التنفيذى لها، بدعم من مجلس إشرافى مستقل من المديرين التنفيذيين ذوى الخبرة.

ويتطلب إضفاء الطابع المؤسسى على الشركة القابضة المستقلة بعيدًا عن التأثير السياسى قصير المدى، أن يدير صندوق الثروة العامة أعماله بشفافية وعلى الأقل بنفس معايير شركة استثمار فى القطاع الخاص، لأن هذا الصندوق فى الحقيقة شركة عامة مملوكة لدافعى الضرائب.

بالإضافة إلى إجراء تقييم شفاف لأداء كل عضو إدارى وعضو غير تنفيذى فى مجلس الإدارة ضمن عملية شاملة. وينبغى وضع هذا التقييم السنوى فى ضوء خطة العمل وتحليل السوق لكسب ثقة أصحاب المصلحة، حيث تضمن هذه العملية وجود الكفاءات المناسبة فى مجلس الإدارة وكذلك عمل الحوكمة وفقًا للأهداف وتوقعات السوق ذات الصلة.

تحسين المالية العامة

إن اعتماد قواعد أو أهداف مالية تعتمد على المحاسبة والقيمة الصافية إلى جانب الإدارة المهنية للأصول العامة يخلق فرصًا كبيرة لتحسين المالية العامة على المدى الطويل، مما يساعد فى توليد دخل إضافى للحكومة بعدة نقاط مئوية من الناتج المحلى الإجمالى سنويًا، اعتمادًا على حجم المحفظة التى يتم توحيدها، وذلك من دون خفض الإنفاق على الخدمات العامة أو زيادة الضرائب، الأمر الذى يعود بالنفع على المجتمع ككل.

* خبير ومستشار استثمار دولى من السويد متخصص فى الأصول التجارية العامة ومؤلف مشارك لكتاب «الثروة العامة للأمم»

زر الذهاب إلى الأعلى