ساحة الرأي

د. عادل النيل.. يكتب: مؤتمر برلين وبداية الجلاسنوست السوداني

د. عادل النيل.. يكتب: مؤتمر برلين وبداية الجلاسنوست السوداني

■ د.عادل النيل- كاتب صحفى سوداني مقيم فى السعودية

هناك مشابهة كامنة في القيمة الأممية بين الاتحاد السوفيتي سابقا والسودان، فرغم مكانة ذلك البلد الشيوعي الكبيرة إلا أن حيوية السلطة فيه أصيبت، بحسب البعض، بنوع من تصلب الشرايين المبكر في شبابه، بحيث جعلت الدم لا يتجدد كثيرا عند الرأس، وهو ذات الأمر الذي أصاب النخبة السياسية السودانية منذ ما بعد مؤتمر الخريجين والمجلس الاستشاري وانتهاء بالاستقلال، لا يختلف في ذلك الليبراليون أو الشيوعيون وعموم اليساريين، والإسلاميون، ولا حتى المستقلين.

حين بدأت نهاية الاتحاد السوفيتي مع برجنيف وحتى موته، الذي حدث أن تم إلقاء جثمانه في القبر لأن النعش سقط من الحامل واصطدم بأرض القبر وانكسر، ولم يثر ذلك اهتمام أحد، لأن الكثيرين على ما يبدو كانوا بحاجة إلى دفن التجربة بكاملها حتى نصل إلى البيروسترويكا والجلاسنوست، ودخول مرحلة يغلب فيها الأداء الرأسمالي للإرث الشيوعي في روسيا الحالية.

يحتاج السودان أيضا أن يدفن كل التجارب السابقة ومعها النخب اليسارية واليمينية، ولن يهتم أحد لأن حصاد التجارب أسوأ من شيوعية الاتحاد السوفيتي، والثورة الأخيرة تفتح الطريق لجلاسنوست وبيرسترويكا سودانية تبدأ بجيل جديد أكثر استيعابا لفشل السنوات الستين الماضية في الصعود بالبلاد بما يتناسب مع حجمها وإمكاناتها المهولة.

ذلك الانفتاح وإعادة الهيكلة التي يحتاجها السودان تبدأ، سواء اتفق البعض أو اختلفوا، من مؤتمر برلين الأخير. وليس مهما الحصاد المالي ولكن القيمة الأساسية لهذا المؤتمر في تحقيق اختراق غير مسبوق في العلاقات الدولية، فلم يكن لمؤتمر دولي أن يحضر المشاركون فيه بالعلامة الكاملة كما حدث في هذا المؤتمر. ذلك هو الكسب حين نتحدث عن جلاسنوست سوداني ينكفئ على مرارات العقود الماضية بكل خيباتها وفشلها.

لم تعد هناك مساحة كبيرة لتضحك نخبة في هرم السلطة على الجيل السوداني الحالي، والذين لديهم التزامات لأطراف خارجية عليهم أن يعوا أن يعملوا بكامل المنطق الوطني أو يذهبوا بنصف وطنيتهم إلى سوق السياسة عبر المنظمات الأممية أو المدنية، أما السلطة فلا تحتمل شراكة خارجية في إدارة شؤون الناس.

بعد مؤتمر برلين لا بد لرئيس الوزراء أن يعمل على مراجعة أداء طاقمه فهو ليس بتلك الكفاءة الطموحة، ولا يتناسبون مع المرحلة فهم يعملون بمنطلقات حزبية ولا يمكن تجريبهم في العمل السياسي ليفشلوا ويضاعفوا متاعب الناس الذين يتعرض اقتصادهم لضغط كارثي من النظام السابق.

وبصورة عامة يمكن أن نلمس في المقال المشترك لوزير الخارجية الألماني هيكو جوزيف ماس، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فونتيليس، الذي كتباه بمناسبة انعقاد مؤتمر الشراكة مع السودان في برلين، نقاطا جوهرية يمكن استيعابها في مواجهة التحديات المقبلة مع النظر في الطاقم الوزاري، ومما ذكراه الإرث التراكمي الكبير لسوء إدارة الموارد ونظام الدعم غير المستدام الذي يعيق قدرة الدولة على الاستثمار في المستقبل، قبل أن يختماه بضرورة تجنب أي تراجع في عملية الانتقال.

إذا فشل استثمار مخرجات مؤتمر برلين التي تتعلق بالعلاقات الدولية وتوظيفها لصالح الإنتاج والالتفاف على التراكم السلبي لسوء إدارة الدولة، فربما لا نجد مخرجا آمنا لأزمات السودان في المدى المنظور، لأن من يرفض أو يعجر عن تحقيق جلاسنوست على الطريقة السوفيتية في وقت يقف كل العالم معه، فإنه لن تقوم له قائمة، وهي مسؤولية بيد الشق المدني المدعوم جماهيريا وخارجيا وليس الشق العسكري الذي يمكن أن يميل إلى القفز على السلطة حين يثبت المدنيون فشلهم في إدارة الدولة.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى