ساحة الرأياخبار الجريدةالشارع السياسيعربي ودولى

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لحرب غزة

متابعة دكتور / طارق مصطفي

أصبحت غزة العزة مثالاً للصمود والكفاح من أجل الحرية لشعب فلسطين الشقيق بل وللعالم الحر، وللدول العربية والاسلامية، وقد ترتب على حرب غزة مع اسرائيل الممتدة لأكثر من أربعة أشهر العديد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية على قطاع غزة وعلى الكيان الاسرائيلي، وامتدت هذه الآثار السلبية للعديد من الدول في الشرق الأوسط ودول العالم الأخرى، ولاشك أن هذه التداعيات السلبية تتفاقم يوماً بعد يوم مع استمرار هذه الحرب ، وأصرار الكيان الاسرائيلي على استمرار هذه الحرب غير المتكافئة، ومن المتوقع أن تؤثر التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية على اتخاذ قرار بوقف هذه الحرب في الوقت القريب.
ويمكن رصد بعض التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لحرب غزة التي فرضتها أحوال هذه الحرب المدمرة غير المتكافئة، فعلى المستوى الاقتصادي ، فقد حدثت أضرار وخسائر بالغة بالمباني والبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى الخسائر الهائلة في الناتج المحلي الإجمالي، وقد تعرض الاقتصاد الفلسطيني لصدمة شديدة، وضعف القدرة على الوصول إلى الموارد الاقتصادية، بما في ذلك المواد والمعدات، بسبب الحصارالاقتصادي المفروض على غزة، وتعد الفاتورة الاقتصادية لهذه الحرب باهظة القيمة على الشعب الفلسطيني على نحو واسع، وقد ألحقت هذه الحرب دماراً شبه كاملاً بقطاع غزة، وقد خلفت هذه الحرب تأثيرات اقتصادية واسعة على الاقتصاد الفلسطيني، أفقدته مقوماته الرئيسية وخاصة فيما يتعلق بتدمير البنية الأساسية في قطاع غزة.
وقد أثرت حرب غزة على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص، ونالت هذه الحرب من كل القطاعات الفلسطينية، وأدت إلى وقوع خسائر مالية باهظة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، خاصة أن هناك أماكن تجارية في قطاع غزة تم إزالتها بشكل كامل، وتم تدمير المناطق والأراضي الزراعية، وتدمير الثروة الحيوانية في قطاع غزة، إضافة إلى تدمير الثروة السمكية التي كانت مصدرًا أساسيًا للشعب الفلسطيني، واستهداف قوارب الصيادين، وتدمير القطاع الصناعي، حيث تم تدمير المصانع والمنشآت والمؤسسات، وتوقفت حركة التجارة الخارجية.

وقد تم تقدير حجم الخسائر الاقتصادية التي لحقت بدولة فلسطين، بمئات الملايين من الدولارات بالقطاع الاقتصادي، الذي تم تدميره بشكل كامل، ووفق بيانات المنظمات الدولية فإن اقتصاد غزة انخفض بمعدل ( 4.5 %) عام 2023، وأدت حرب غزة إلى تسريع حالة التدهور الاقتصادي بشكل كبير ، وانخفض إجمالي الناتج المحلي بمعدل (24%)، وانخفضت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي بمعدل(26.1%) وبعدما كان نسبة ( 45 %) من القوة العاملة في قطاع غزة تعاني من البطالة قبل السابع من أكتوبر2023، ارتفعت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى ( 80 %) .
وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية السلبية على دول الشرق الأوسط، فقد أدى استمرار الحرب على غزة وامتدادها لأشهر طويلة والتوسع إقليميًا بمشاركة دول أخرى إلى تأثيرات اقتصادية كبرى على المنطقة العربية، وفي مقدمتها، تأثيرات مباشرة بتراجع كبير في حركة الاستثمار الخارجي والسياحة، لأنها أصبحت منطقة توتر وعدم استقرار، وتأثر الاقتصاد المصري سلبياً من خلال انخفاض إيرادات قناة السويس بشكل ملحوظ، وإيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وقد أدت حرب غزة إلى تراجع حركة الملاحة في قناة السويس، علاوة على تراجع الاستثمار الداخلي وسلاسل الإمداد ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، نتيجة للإرتفاع الحاد لسعر الدولار في مصر، مما أدى إلى زيادة تكاليف مشتقات البترول، ومستلزمات الانتاج المستوردة. كما تأثرت سلبياً سلاسل التوريد العالمية والتجارة الدولية
وفيما يتعلق بالأثر السلبي لحرب غزة على المستوى العالمي، فقد تأثر اقتصادات العالم سلبياً نتيجة الحرب على غزة، نتيجة للزيادة الكبيرة في أسعار البترول والغاز، مما أثر سلبياً على الصناعة، وقد أغلقت ممرات نقل الطاقة من الخليج وشمال إفريقيا إلى أوروبا، مما يؤدي إلى زيادة معدل التضخم العالمي بشكل ملحوظ، ويؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والبترول إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل للمواد الغذائية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعارها في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى أن الحرب والاضطرابات السياسية قد تعرقل سلاسل التوريد، وتحد من القدرة على الإنتاج الزراعي في المناطق المتأثرة، مما يزيد من التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي. وقد أثرت حرب غزة سلبياً على أسواق الأسهم ، حيث تعاني الشركات من ارتفاع التضخم الذي يؤدي إلى تراجع إيراداتها ومبيعاتها، وتجد صعوبة في الحصول على التمويل لنشاط الشركات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مما يؤدي إلى تراجع مؤشرات البورصات المحلية والعالمية.
وتتضمن أهم التداعيات الاجتماعية السلبية لحرب غزة خسائر فادحة في الأرواح من الأطفال والنساء والرجال، وزيادة معدلات الفقر للشعب الفلسطيني بنسب غير مسبوقة، وانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، وتعطل الشعب الفلسطيني عن العمل بشكل كامل، وانخفاض كبير في الخدمات الصحية المقدمة في قطاع غزة، وقد زاد معدل الفقر عن نسبة (45%) ، وأصبح الفقر متعدد الأبعاد (96%)، وذلك استناداً إلى الدليل الوطني للفقر المتعدد الأبعاد، وقد شهدت أنحاء كثيرة من أوروبا تنامي المشاعر المعادية للمهاجرين من العرب والمسلمين للدول الأوربية، وفي المقابل تأثرت العديد من الشعوب الغربية بعدالة القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية، كما تأثر العالم بصمود وقوة وصبر وايمان الشعب الفلسطيني، مما دعى العديد من شعوب العالم لمعرفة سر هذا الصمود والصبر والرضا الاجتماعي لهذا الشعب العريق، وقد كشفت حرب غزة ازدواجية المعايير الدولية في معاملة الدول.
وأعتقد أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لحرب غزة يمكن أن تستمر لفترة طويلة ما بعد هذه الحرب وخاصة في قطاع غزة، ويتطلب الأمر الدعم الاقتصادي من دول العالم المتقدمة للدول الفقيرة والنامية، والسعي نحو إنهاء هذه الحرب ، ودعم التكتلات الاقتصادية الدولية للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تمر بها العديد من دول العالم، وأرى حتمية دعم الشعب الفلسطيني الحر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز المسؤلية الاجتماعية الدولية نحو الشعب الفلسطيني الحر.
دكتور حسين سيد حسن عبدالباقي الخبير المالي والضريبي المحاضر الدولي عضو هيئة التدريس عضو مجلس الامناء والمجلس العلمي بالاتحاد العربي للتدريب

زر الذهاب إلى الأعلى